إصرار إيران العقلاني على التفاعل غير المباشر

و خلال لقاء ترامب ونتنياهو في البيت الابيض يوم الثلاثاء 8 نيسان/ابريل 2025 وحديثهما للصحفيين، أعلن الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة ستعقد محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي، وأن أولى اللقاءات ستتم على أعلى مستوى السبت (اليوم) في مسقط العاصمة العُمانية.

وبعد ساعات من تصريحات ترامب، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الخبر في تغريدة له على تويتر (موقع اكس)، وعلى عكس ادعاء الرئيس الأميركي، أعلن أن هذه الجولة من المفاوضات غير مباشرة.وبذلك، ستشهد العاصمة العُمانية مسقط، مرة أخرى، انطلاق المحادثات بين ايران ممثلة بوزير خارجيتها “عباس عراقجي” ،وامريكا ممثلة بالمبعوث الخاص لدونالد ترامب إلى غرب آسيا “ستيف ويتكوف” بعد ظهر السبت (اليوم) 12 أبريل/نيسان، وسط من هو مخالف لها ومن يراها فرصة للدبلوماسية .

إيران تختبر نوايا أميركا

وعلى الرغم من أن خبر المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة أُعلن عنه بحماسة شديدة، وكان مشبعا بالمبالغة والادعاءات من قبل الرئيس الأميركي، إلا أن ما يكتسب أهمية خاصة بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه الفترة من المحادثات، أكثر من أي شيء آخر، هو اختبار وتقييم نوايا الطرف الآخر وجديته في أي مفاوضات وحوار.

وعليه، فإن استعجال الرئيس الأميركي في الإعلان عن المفاوضات مع طهران هو خدعة اعتادت عليها طهران أصلا، ولذلك لم تقع في فخ هذا الحماس غير المثمر.وبالتالي قامت ايران بتحديد اولوياتها واختارت طابعا غير مباشر للمفاوضات مع الجانب الأميركي،و بوساطة دولة تثق بها وهي سلطنة عُمان، وقد قبلت الولايات المتحدة كلا الأمرين.

وهنا لابد لنا ان نشير ، الى ان محادثات غير مباشرة عقدت عدة مرات من قبل بين الجانبين في مسقط وعواصم أخرى حول مواضيع مختلفة، وقد قامت وسائل الإعلام بتغطية بعضها.الا ان الاهم بالنسبة للجانب الايراني من الإثارة الاعلانية والاعلامية للمفاوضات، هو دوافع الجانب الأمريكي وأهدافه وتفضيلاته.وهكذا،يتعين على طهران أن تحقق الحد الأدنى من الثقة في هذه المجالات الثلاثة حتى تتمكن من تقييم استمرار العملية.

وبما ان هناك سوابق لامريكا في هذا الخصوص،فإن اليقين الذي يظهره التاريخ من الصعب تحقيقه، حيث وقعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية اتفاقا مع الولايات المتحدة في عام 2015 بناء على هذا اليقين الضئيل، والذي انتهكه الرئيس الامريكي الحالي خلال رئاسته السابقة.وبالتالي ، فإن الثقة أصبحت من الصعب أكثر من أي وقت مضى خلقها في ظل الضغوط القصوى والخطابات التهديدية هذه الأيام.

وبناء على ذلك،ينبع تأكيد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الطبيعة غير المباشرة للمفاوضات من انعدام الثقة هذه، الذي يتجذر في إخلال الجانب الآخر بالوعود.ضف على ذلك، فمن ناحية اخرى ايضا، فإن سجل تعامل دونالد ترامب مع العالم ،قد نبه المسؤولين الإيرانيين إلى الطبيعة المسرحية لأفعال وتصريحات الرئيس الأميركي الجديد وإدارته، حتى لا يقعوا في فخ “الدبلوماسية المرتكزة على الصورة” التي يهتم بها ترامب.

وهكذا، واستنادا الى الثقة التي يمكن خلقها من قبل الجانب الأميركي وفهمها من قبل الجانب الإيراني منذ الجولة الأولى، فإن نتيجة المفاوضات تتأرجح مابين احتمالين: اما الوصول الى اتفاقيات، واما اغلاق نافذة الدبلوماسية نصف المفتوحة على السلام العالمي والاستقرار الإقليمي.

لذا، يعتمد كلا الاحتمالين بشكل مباشر على دوافع البيت الأبيض وتصوره للحوار مع إيران.إذا كانت واشنطن، كما صرح رئيسها مرارا وتكرارا،بأنها تشعر بقلق حقيقي وجاد وشفاف حيال قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتطوير الأسلحة النووية؛وسيكون طريق الدبلوماسية سهلا وبسيطا، لأن طهران أوضحت وأكدت  مرارا أنها لا ولن تسعى أبدا إلى صنع أسلحة نووية.

ولكن اذا ما نظرنا الى الجانب الاخر من العملة؛فإذا سعت الولايات المتحدة إلى أن تكون متطلبة للغاية في العلاقات وأثارت قضايا مثل التفاوض على القدرات الدفاعية والعسكرية الإيرانية، أو الوجود الإقليمي، أو غيرها من القضايا الداخلية للجمهورية الإسلامية، فإن هذا الحوار سوف يواجه طريقا مسدودا للمغامرة في البيت الأبيض، وسوف ينتهي بسرعة أكبر بكثير.لذا نرى ان ايران قد اقترحت إجراء مفاوضات غير مباشرة للوصول إلى تقييم دقيق لما يسعى إليه الجانب الأميركي، وبعد هذه المعلومات ستتخذ قرارها النهائي لحماية مصالحها الوطنية.

وفي ظل هذه الظروف، فإن الحيل الإعلامية للطرف الآخر وإثارة القضايا الخلافية لا يمكن أن تؤثر على موقف طهران من محادثات مسقط المقبلة. وعلى النقيض من الولايات المتحدة،فان إيران رؤيتها واضحة تماما لما تريد وما لا تريده، وبالتالي فهي مستعدة لأي احتمال سواء الفشل او النصر في هذه المفاوضات.

كما تجدر الاشارة هنا ، الى ان المفاوضات الايرانية-الامريكية تتأثر بمتغيرات ربما تكون أقل وضوحا في المحادثات الأخرى التي تُعقد بين أي بلدين آخرين في العالم، الا وهي فخاخ الكيان الصهيوني وسردياته الكاذبة حول المفاوضات وأهدافها وتفاصيلها، والتي تعد حاليا من أهم المتغيرات التي يجب على الجانبين الإيراني والأمريكي التيقظ لها لمواجهتها.

ما الذي يقلق الكيان الصهيوني؟

وعشية أحد أكثر الأحداث حساسية في العالم والمنطقة، وعندما سمع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي من الرئيس الأميركي عن بدء المفاوضات، لجأ على الفور إلى تكتيك نفسي مستذكرا تجربة مريرة في أفريقيا، من أجل إنهاء الحدث قبل أن يبدأ، حسب رأيه.

ونشهد في الآونة الاخيرة،تصريحات لمسؤولين صهاينة وأمريكان يطرحون فيها “نموذج ليبيا” للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني خيارا مفضّلا بديلا عن الخيار العسكري، يحقق غاية تعطيل هذا البرنامج وتفكيكه، ما قد لا يحققه استخدام القوة العسكرية. وقال رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين الماضي، إنه يفضّل اتفاقا مع إيران يشبه النموذج الذي تم اعتماده مع ليبيا عام 2003، والذي أدى إلى تفكيك برنامجها النووي بشكل كامل ونهائي.

نتنياهو أكد قبل مغادرته واشنطن على أن التعامل مع الملف النووي الإيراني يمكن تحقيقه عبر طريقين لا ثالث لهما، إما عبر الاتفاق أو الخيار العسكري، مضيفا أن الاتفاق لن يكون مقبولا إلا إذا كان مشابها للاتفاق مع ليبيا، حيث “ندخل، ونفجر المنشآت، ونفكك جميع المعدات، تحت إشراف وتنفيذ أميركيين، وهذا هو السيناريو الأمثل”.

وهنا لا بد الاشارة الى ان محاكاة إيران على غرار ليبيا في عهد معمر القذافي هو حلم وصفه لأول مرة السيناتور الأميركي المتشدد توم كوتون. إن الفارق بين إيران في عام 2025 وليبيا في عام 2003 كبير لدرجة أن المحللين يعزون تصريحات نتنياهو إلى الإذلال الذي تعرض له في لقائه مع ترامب.

لذا، فإن الوقوع في فخ التنظيرات الجنونية الجامحة التي يطلقها نتنياهو حول المفاوضات والاتفاقيات وكل التفاصيل المتعلقة بها ،هو خطأ يقع فيه البعض داخل الكيان الاسرائيلي دون أن يدركوا أن كل ما يتعلق بالبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو في الواقع على عكس ليبيا .

وفي السياق نفسه، نوضح الاختلافات بين التجربة الليبية والايرانية في نقاط ثلاث؛ اولا،إن البرنامج النووي الإيراني محلي ويعتمد على الموارد والقدرات المحلية، ولم تساعد أي دولة إيران على طريقها إلى هذا المستوى من التقدم في بناء أجهزة الطرد المركزي، وتوليد الطاقة النووية، والأدوية المشعة والنظائر، وفي نهاية المطاف التخصيب.

ثانيا،وعلى النقيض من معمر القذافي، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتحرك قط نحو إنتاج الأسلحة النووية، وكانت تتمتع بأكبر قدر من التعاون والدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.وثالثا،إن القوة العسكرية واللوجستية والموقع الجيوسياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يمكن مقايسته بأي حال من قوة ليبيا في تلك السنوات.

وهكذا، يصبح واضحا للجميع ، ان نتنياهو لديه سببا وجيها لمثل هذه القصص، والتي سوف تصبح أكثر كثافة وتنوعا بعد ذلك، مثل عدائه للجمهورية الإسلامية الإيرانية.وبالمقابل، فان اللعب في الساحة التي صممها للضغط هو شيء يجب على الفصائل السياسية المختلفة داخل البلاد تجنبه.

ضرورة اليقظة الداخلية

وفي جانب اخر من سياق المفاوضات،ومع بدء العد التنازلي لبدء المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وبينما تؤكد الجمهورية الإسلامية على الطابع غير المباشر للمفاوضات منذ البداية،نلحظ ان العديد من وسائل الإعلام الغربية وشبكات الأقمار الصناعية الناطقة بالفارسية ، تقوم بنشر تصريحات غريبة، وشائعات كاذبة، وتفسيرات أحادية الجانب من مصادر مطلعة ولكنها غير معروفة للتأثير على هذا الحدث.

ضف على ذلك، والى جانب هؤلاء المتحدثين الأجانب، فإن مجموعة داخل إيران تثير أيضا انتقادات للمفاوضات والمفاوضين الإيرانيين، وتقوم بادارة حملة اعلامية واسعة ،والتي يتم بثها ونشرها بهدف التأثير على الجمهور الايراني والرأي العام حول العالم،وتتمحور حول الموضوعات التالية:سواء كانت المفاوضات مباشرة أم لا، هناك عروض مزعومة مقترحة من الجانبين، سواء كان الجانب الأميركي سيشارك في المفاوضات أم لا، شروط مسبقة مزعومة من الولايات المتحدة، رسائل مزعومة أرسلتها دول ثالثة إلى كل من إيران والولايات المتحدة، ومزاعم بأن المفاوضات لم تكن حاسمة قبل أن تبدأ.

وعليه، فانه من المتوقع أن تشتد الحرب الإعلامية الدائرة مع بدء المفاوضات يوم السبت (اليوم).وتظهر تجربة الاتفاق النووي والمفاوضات التي أدت إليه أن خلق السرديات والشائعات والخطوط الجانبية من بين أهم التكتيكات النفسية التي تستخدمها فرق التفاوض للتأثير على عملية التفاوض.وبالتالي،إقناع الرأي العام المحلي والأجنبي بأن واشنطن سلكت طريق السلام والدبلوماسية؛ وفي المقابل ان طهران و لأي سبب من الأسباب لا تعترف ولا تقبل المطالب التي أثيرت في المفاوضات باعتبارها في مصلحتها، قد عرضت السلام والدبلوماسية للخطر.

وفي الختام ،تجدر الاشارة والتأكيد على ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووزير خارجيتها،و بالتنسيق الكامل مع كبار المسؤولين في النظام ذوي الخبرة المكتسبة من الاتفاق النووي والسنوات التي سبقته من جهة والسنوات التي تلته من جهة أخرى، سوف يتوجهون الى مسقط بغض النظر عن الحماسة المصطنعة والتسرع من الجانب الآخر، وسوف يكونون مستعدين للتفاوض مع الاستعداد بنفس القدر لأي خيار آخر.

انتهى**ر.م

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *