اشار قائد الثورة الاسلامية الى حقيقة تاريخية مُرة، تأكد فيها ان الشرق والغرب، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ورغم كل الخلاف الذي كان قائما بينهما، الا انهما كانا على اتفاق تام في معاداة الاسلام ومحاربة المسلمين، وساهما وبشكل مؤثر في زرع الغدة السرطانية المعروفة بـ”إسرائيل” في قلب العالم الاسلامي. وهذه الحقيقة، وصفها سماحته بـ”العبرة”، وقال :”نّها لعِبرةً أنّ نرى في تلك الفترة المعسكرين الرأسمالي والشيوعي كلاهما يعقدان صفقة تكامل مع القارون الصهيوني، بريطانيا خططت لأصل المؤامرة وتابعتها، والرأسماليون الصهاينة قد تولّوا تنفيذها بالمال والسلاح، والاتحاد السوفيتي كان أول دولة اعترفت رسمياً بهذا الكيان اللاشرعي، ودفعت نحوه بحشود اليهود”.
كان واضحا ان المعسكرين الغربي والشرقي، كانا على وئام تام في موضوع زرع “اسرائيل” في فلسطين، التي حولها الصهاينة، كما جاء في خطاب القائد الى “قاعدة للإرهاب. إسرائيل، ليست دولة، بل معسكراً إرهابياً ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المسلمة الأخرى”.
اما لماذا إختلف الشرق والغرب في كل شيء، الا في دعم الصهاينة، وزرع “اسرائيل” في قلب العالم الاسلامي؟. من المؤكد ان السبب يجب ان يكون خطيرا وهاما جدا، وهو بالفعل كذلك، فالموقع الجغرافي لفلسطين، التي تعتبر الرابط الذي يربط شرق العالم الاسلامي بغربه. وكذلك لوجود المسجد الاقصى المبارك الذي يعتبر الرمز الاسلامي الكبير، فهو اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فبإغتصاب فلسطين وتهويد القدس، يكون الشرق والغرب ، لم يحاولا ان يئدا والى الابد فكرة قيام تكتل اسلامي عربي في المستقبل فحسب، بل سيجعلان من الدول العربية والاسلامية، دولا مُستنزفة وضعيفة، وهو هدف مشترك للرأسمالية والشيوعية على حد سواء.
الامام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) كان مدركا بحكمته وبحنكته، انه ومن اجل منع تحقيق هذا الهدف المشترك للمعسكرين الغربي والشرقي، لابد من جعل القدس الشريف، الرمز الاسلامي الكبير، هدف لكل تحرك عربي واسلامي، وان تكون القدس هي بوصلة لكل المجاهدين والاحرار في العالمين الاسلامي. ومن اجل ذلك، كما اشار قائد الثورة الاسلامية في خطابه، الى ان ،”المستقبل المبارك يتطلب أن يكون التكامل بين البلدان الإسلامية هدفاً محوريّاً وأساسياً، ولا يبدو ذلك بعيد المنال. ومحور هذا التكامل قضيّة فلسطين كلّ فلسطين، ومصير القدس الشريف. وهذه هي الحقيقة نفسها التي هَدَت القلب المنير للإمام الخميني العظيم(رضوان الله تعالى عليه) ليُعلن اليوم العالمي للقدس في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك”. هذا اليوم الذي تحول الى كابوس ينغص احلام الصهاينة وحماتهم، منذ ان اعلن عنه الامام الخميني(ره) عليه قبل 42 عاما.
ادراك الامام الخميني (ره)، ان “اسرائيل” ما كانت لتُزرع في قلب العالم الاسلامي و ان تبقى كل هذه الفترة، لولا ضعف الامة الاسلامية، وهو ضعف يمكن تجاوزه عبر الالتفاف حول القدس واحياء يومها العالمي، فلا تكامل للمسلمين ولا وحدة بينهم ، من دون التمحور حول القدس. هذه الحقيقة باتت تؤرق الصهاينة وحماتهم الأمريكيين والأوروبيين، لذلك حاولوا من خلال الترويج لمخططهم المعروف بـ”صفقة القرن”، الذي كان هدفه الاول والاخير، سلب المسلمين اخطر سلاح من ايديهم وهو سلاح القدس والتمحور حول القدس، بعد ان تواطأت معهم بعض الانظمة العربية، التي حاولت من خلال التطبيع مع “اسرائيل” الايحاء، بان القدس باتت من الماضي، وعلى المسلمين محوها من ذاكرتهم، الا ان القدس كانت اقوى، فبقيت القدس هي البوصلة والمحور، بينما كان مصير “صفقة القرن”، في مزبلة التاريخ ، كمصير عرّابها.
لولا القدس لما تحولت حجارة المقاومين الى صواريخ دقيقة، تُقهر “الجيش الذي كان لا يقهر” وتذله. ولولا القدس لما باءت كل مخططات امريكا والصهيونية والرجعية العربية بالفشل، بل نقول كما قال قائد الثورة الاسلامية:”اقولها وبشكل قاطع: سوف تبوء هذه المساعي بالفشل، وإن الخط البياني الانحداري باتجاه زوال العدو الصهيوني قد بدأ وسوف لن يتوقف”.
لم تستقطب قضية في العالم الاسلامي، المجاهدين والمقاومين والاحرار، بغض النظر عن قومياتهم ومذاهبهم وانتماءاتهم ، كما استقطبت قضية القدس، التي ينتصر المسلمون والعرب والاحرار لها في ارجاء المعمورة، في يوم جمعة من شهر رمضان من كل عام، وكان اشار سماحة القائد الخامنئي الى هذه الحقيقة، عندم قال:”السلام على أحرار العرب جميعاً وخاصة الشباب منهم، والسلام على الشعب الفلسطيني المقاوم، وعلى المقدسيين المرابطين في المسجد الأقصى. السلام على شهداء المقاومة وعلى رعيل المجاهدين الذين ضحّوا بحياتهم على هذا الطريق، وأخصّ بالذكر الشهيد أحمد ياسين، والشهيد السيد عباس الموسوي، والشهيد فتحي الشقاقي، والشهيد عماد مغنية، والشهيد عبد العزيز الرنتيسي، والشهيد أبا مهدي المهندس، ثم القامة الرفيعة لشهداء المقاومة الشهيد قاسم سليماني… فكلّ واحد من هؤلاء بعد حياتهم المعطاءة المباركة قد ترك بشهادته آثاراً مهمة في بيئة المقاومة”.
هذه الثلة الطاهرة من الشهداء، سقطت من اجل ان تبقى القدس شامخة، سقطت من اجل ان تبقى القدس بوصلة، سقطت من اجل ان تبقى القدس عاصمة المسلمين. سقطت من اجل ان ينهض الملايين من ابناء الامة ويسيروا على نهجهم، وعيونهم نحو القدس.. القدس اليوم باتت اقرب.